مشروع جسر طارق بن زياد.. ربط قاري المغرب واسبانيا


في خطوة تُعدّ الأولى من نوعها في التاريخ الحديث، يقترب حلم الربط القاري بين المغرب وإسبانيا من التحقق عبر مضيق جبل طارق، سواء من خلال نفق تحت البحر أو جسر معلق. مشروع طموح يحمل اسم القائد التاريخي طارق بن زياد، ويهدف إلى وصل قارتي أوروبا وأفريقيا، مع ما يرافقه من آمال اقتصادية وجيوسياسية، وتحديات تقنية وجيولوجية.


فكرة تعود إلى القرن التاسع عشر

تعود فكرة إنشاء جسر أو نفق يربط ضفتي مضيق جبل طارق إلى أواخر القرن الـ19، حين اقترح مهندسو الاستعمار الفرنسي والإسباني إنشاء معبر بري يربط أوروبا بأفريقيا، في إطار طموحات السيطرة والاستغلال الاستعماري. ورغم أن المشروع ظل حبيس الخيال لسنوات، فقد عاد إلى الواجهة في أواخر السبعينيات، عندما وقّع الملك الحسن الثاني ونظيره الإسباني خوان كارلوس اتفاقية لدراسة جدوى هذا الربط.


من النفق إلى الجسر.. تحولات المشروع

في البداية، خُطط لإنشاء نفق بطول 38 كيلومترًا يربط بين مالابطا في طنجة وبونتا بالوما في طريفة، بعمق يصل إلى 475 مترًا. إلا أن صعوبات جيولوجية بسبب تلاقي الصفائح التكتونية دفعت لاحقًا إلى إعادة النظر في الخيار، ليتحول الاهتمام إلى جسر معلق، بحسب تصريحات وزيرة النقل الإسبانية راكيل سانشيث في أبريل 2023.


أهمية المشروع في السياق الجيوسياسي

يمثل مضيق جبل طارق نقطة التقاء استراتيجية بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، وبين القارتين الأوروبية والأفريقية. تمر عبره سنويًا أكثر من 100 ألف سفينة، ويُعد معبرًا لنحو 20% من التجارة العالمية، و6 ملايين مسافر. كما تحتضن ضفافه قواعد عسكرية كبرى، أبرزها القاعدة الأمريكية "روتا".


دعم دولي وتحولات سياسية

عاد المشروع إلى الواجهة بقوة بعد تحسّن العلاقات المغربية الإسبانية، خاصة عقب دعم مدريد لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء. كما تعزز المشروع بدعم أوروبي منتظر، لا سيما أن دول الاتحاد الأوروبي ستستفيد من ربط مباشر وسريع بأسواق أفريقيا، دون الحاجة لعبور البحر.


طنجة.. مركز التحول الجيوسياسي



من المتوقع أن تتحول طنجة، المدينة المغربية المطلة على المضيق، إلى أول مدينة عربية وأفريقية ترتبط بريًا بأوروبا. وتاريخيًا، كانت طنجة بوابة المغرب إلى الأندلس، وملتقى الغزاة، والرحالة، والمستعمرين. واليوم، تستعيد أهميتها كمركز استراتيجي على طريق التجارة العالمية والمبادلات الصناعية، خاصة مع ميناء طنجة المتوسط العملاق.


تحديات المشروع.. الزلازل والسياسة

لا يخلو المشروع من تحديات. فالمنطقة تُعد من أكثر المناطق نشاطًا زلزاليًا في العالم، لوقوعها على حدود الصفائح التكتونية. بالإضافة إلى التحديات الجيوسياسية المرتبطة بالحضور البريطاني في صخرة جبل طارق، والخلافات التاريخية بين المغرب وإسبانيا، وآخرها أزمة جزيرة ليلى عام 2002.


آفاق اقتصادية ضخمة

يتوقع أن ينقل المشروع نحو 10 ملايين مسافر و7 ملايين طن من البضائع سنويًا بحلول عام 2030، تزامنًا مع استضافة المغرب وإسبانيا والبرتغال لكأس العالم لكرة القدم. كما سيوفر منصة لتبادل الطاقة والتيار الكهربائي، إلى جانب جذب الاستثمارات الصناعية نحو الضفة الجنوبية.


مشروع طارق بن زياد.. رد رمزي على التاريخ

يرى المفكر المغربي الطاهر بنجلون أن الجسر أو النفق سيكون بمثابة "رد متأخر، لكنه مذهل، على محاكم التفتيش التي أنهت الوجود العربي والإسلامي في الأندلس". فالمشروع لا يوصل فقط بين قارتين، بل يعيد وصل التاريخ والجغرافيا، ويمنح المغرب نافذة جديدة على العالم.

Joby Maroc
Joby Maroc
تعليقات